بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار والصلاة والسلام على سيدي المختار وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وعلى كل من صلى عليه آناء الليل وأطراف النهار.
وبعد،
إن علميّ أصول الفقه وعلم الفقه من أعظم العلوم التي عرفت بها أمة الإسلام، ذلك أن علم أصول الفقه هو أدلة الفقه الإجمالية وطريقة استنباط الأحكام الشرعية، وما فيه من قواعد أصولية تضبط ذلك، فهو الأصول التي يتبعها المجتهد لاستنباط الحكم الشرعي، أما الفقه فهو التطبيق العملي لما جاءت به الأدلة الإجمالية من أحكام شرعية، واستنباط هذه الأحكام من الأدلة التفصيلية، فكان هذان العلمان بحق هما الطريقة الصحيحة المأمونة لتطبيق أحكام الله تعالى بين البشر.
وقد تميز كل من علم أصول الفقه والفقه بقواعد تختلف عن بعضها في كلا العلمين، فالقواعد الأصولية تميز بها أصول الفقه، والقواعد الفقهية تميز بها الفقه.
وما هذا البحث إلا محاولة للتفريق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية وعرض للتطبيقات العملية المتعلقة بكل قاعدة.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم أحكام ديننا، وأن يجعلها حياة عملية لنا في دنيانا.
تعريف القاعدة
قال ابن المنظور في لسان العرب: «قعد: القُعُودُ: نقيضُ القيامِ. قَعَدَ يَقْعُدُ قُعوداً ومَقْعَداً أَي جلس، وأَقْعَدْتُه وقَعَدْتُ به. وذو القَعْدة: اسم الشهر الذي يلي شوًالاً وهو اسم شهر كانت العرب تَقْعد فيه وتحج في ذي الحِجَّة، وقيل: سمي بذلك لقُعُودهم في رحالهم عن الغزو والميرة وطلب الكلإِ، والجمع ذوات القَعْدَةِ.
والقاعِدَةِ: أَصلُ الأُسِّ، والقَواعِدُ: الأساسُ، وقواعِد البيت أساسُه. وفي التنزيل: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيل) [البقرة: من الآية 127] ، وفيه: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِد) [النحل: من الآية 26] قال الزجاج: القَواعِدُ أَساطينُ البناء التي تَعْمِدُه. وقَواعِدُ الهَوْدَج: خشبات أَربع معترضة في أَسفله تُركَّبُ عِيدانُ الهَوْدَج فيها. قال أَبو عبيد: قواعد السحاب أُصولها المعترضة في آفاق السماء شبهت بقواعد البناء» [لسان العرب لابن المنظور 3/357] .
وفي الاصطلاح كما عرفها الجرجاني: «هي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها» [التعريفات للجرجاني ص 219] .
كما عرفت بأنها «حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته» .
الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية
قلنا فيما سبق أن القاعدة اصطلاحاً هي حكم كلي منطبق على جزئياته، ولم يخرج أحد عن هذا التعريف رغم اختلاف المسميات فمنهم من قال قضية كلية، ومنهم من قال حكم أغلبي وهكذا.
وقد يبدو لمن يقرأ تعريف القاعدة وينظر في القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية أنهما لا تختلفان عن بعضهما، إلا أن المتمعن والمتخصص يدرك أوجه الاختلاف بينهما، وهذا هو موضوع هذا البحث.
لقد فرق كثير من المتخصصين في علم الفقه بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، ولعل أول من ميز بين هذه القواعد الإمام شهاب الدين القرافي في مقدمة كتابه الفروق، وقد أشار إلى ذلك كثير من المتخصصين منهم الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو في كتابه موسوعة القواعد الفقهية، كما ذكره علي أحمد الندوي في كتابه القواعد الفقهية، وذكره الشيخ محمود مصطفى عبود هرموش في كتابه القاعدة الكلية.
وقد فرق القرافي بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية في مقدمة كتابه الفروق حيث قال: «أما بعد، فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفاً وعلواً اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين.
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد ومشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه وإن اتفقت الإشارة إليه هناك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع» [الفروق للقرافي 1/2] .
ويمكن أن نجمل هذه الفروق في تسعة فروق، مع ضرب الأمثلة التطبيقية:
1- من حيث العلاقة بين القاعدتين:
إن علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ميزان وضابط للاستنباط الصحيح، شأنه في ذلك شأن علم النحو لضبط النطق والكتابة، وقواعد هذا الفن هي وسط بين الأدلة والأحكام، ويأتي علم الفقه مبنياً على علم أصول الفقه، فالمفتي الذي يفتي على المذهب مثلاً قد لا يكون مجتهداً في الأصول، وذلك بخلاف الأصولي فهو مجتهد بالفروع، ومثلاً القول بأن الأمر للوجوب يعتبر قاعدة أصولية يبني عليها الفقيه استنباطه ولا يجوز له مخالفتها.
2- من حيث موضوع القاعدة:
إن قواعد الأصول إنما تتعلق بالألفاظ ودلالاتها على الأحكام في غالب أحوالها، وأما قواعد الفقه فتتعلق بفعل المكلف، فمثلاً القاعدة الأصولية (الأصل في الألفاظ الحقيقة عند الإطلاق وقد يصرف إلى المجاز بالنية) فهي تتعلق بالألفاظ ودلالاتها، ولا تتعلق بفعل معين، وكذلك قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإنها حكم كلي على كل فعل لا يتم الواجب إلا به فيكون واجباً وذلك كغسل جزء من المرفقين ليتحقق بذلك، أما القاعدة الفقهية فهي خاصة بفعل المكلف، وذلك كقاعدة (الأصل براءة الذمة) وقاعدة (إنما الأعمال بالنيات) فهي تتعلق بأفعال المكلفين.
3- من حيث علاقتها بجزئياتها:
القواعد الأصولية هي وسيلة وذريعة لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، فهي أصل في إثبات حكم جزئياتها.
أما القاعدة الفقهية فليست أصلاً في إثبات حكم جزئياتها، بل حكم القاعدة نفسها مستمد من حكم جزئياتها.
4- من حيث علاقتها بالفروع:
تتأخر القواعد الفقهية عن الفروع لأنها استمدت من أحكام الفروع، بينما نجد أن القواعد الأصولية تسبق الفروع لأنها قيود للفقيه عند استنباط الأحكام مثل كون ما في القرآن مقدماً على ما جاءت به السنة فهي مقدمة في وجودها على استنباط أحكام الفروع.
5- من حيث نشأة القاعدة:
إن القواعد الأصولية ناشئة في أغلبها عن الألفاظ العربية والقواعد العربية والنصوص العربية كما صرح القرافي. أما القواعد الفقهية فناشئة من الأحكام والمسائل الفقهية.
فالقواعد الأصولية أغلبها من قواعد اللغة والألفاظ والنصوص فمثلاً: (الأمر للوجوب) و (إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز) و (الأمر يقتضي الفور حتى تقوم الدلالة على التراخي) و (حق الكلام أن يحمل على عمومه) ، أما القواعد الفقهية فنشأتها من الأحكام الشرعية والمسائل بل ومن أقوال بعض العلماء، فمثلاً:
(إنما الأعمال بالنيات) هي جزء من حديث شريف، و (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) فهي مأخوذة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالحاكم وكيفية رعايته لشئون الأمة.
6- من حيث الاطراد والاستثناء
القواعد الأصولية قواعد كلية تنطبق على جميع جزئياتها وموضوعاتها. فإذا اتفق على مضمونها لا يستثنى منها شيء فهي قواعد كلية مطردة –كقواعد العربية- بلا خلاف.
أما القواعد الفقهية: فإنها أغلبية يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات، وتكون لها المستثنيات بسبب من الأسباب كالاستثناء بالنص أو الإجماع أو الضرورة أو غير ذلك من أسباب الاستثناء، ولذلك يطلق عليها كثيرون بأنها قواعد أغلبية أكثرية لا كليّة مطردة.
والمثال على ذلك قاعدة: (كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ) فقد خرج من هذه القاعدة التمساح لأنه يحرك فكه الأعلى وليس الأسفل عند حين المضغ، وهذا الخروج لا يجعل من القاعدة غير كلية بل تظل كلية ولكن فيها استثناء فكأن الاستثناء مضمن فيها ولو لم يذكر. وكذلك استثناء ما عمت به البلوى كطهارة الحياض والآبار.
7- من حيث الحصر:
إن قواعد الأصول محصورة في أبواب الأصول ومواضعه ومسائله، وأما قواعد الفقه فهي ليست محصورة أو محدودة العدد بل هي كثيرة جداً منثورة في كتب الفقه العام والفتوى عند جميع المذاهب ولم تجمع للآن في إطار واحد.
وقد أشار الشيخ مصطفى الزرقا في موضوع لمحة تاريخية عن القواعد الفقهية الكلية، في مقدمة كتاب شرح القواعد الفقهية لوالده الشيخ أحمد الزرقا إلى ذلك فقال عن كتاب الفروق للقرافي: «غير أن هذا الكتاب أيضاً، على عظيم قيمته وما تضمن من مباحث لم يسبق إليها، لم يجمع قواعد بالمعنى الذي نعنيه هنا، وإنما يريد من القواعد معنى الأحكام الأساسية في الموضوعات الفقهية الكبرى» [شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص 42] .
8- من حيث النظر في القاعدة:
إن النظر في القواعد الفقهية خاص بالمعنى من حيث تحققه في الفرع الذي يراد النظر في حكمه، أو عدم تحققه فيه. ومثاله: أن رجلاً توضأ ثم شك في انتقاض وضوئه، هذا وضوء متيقن طرأ عليه شك، هنا يستحضر المفتي القاعدة (اليقين لا يزول بالشك) إذن الوضوء باقٍ لم يزل، هذه الفتيا كانت النتيجة، فإنا وجدنا المفتي ينظر إلى معنى القاعدة دون لفظها.
أما القواعد الأصولية: فإن النظر فيها خاص باللفظ من حيث تحققه في الفرع الذي يراد إثبات الحكم الشرعي له أو عدم تحققه فيه. قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) [سورة الإسراء: من الآية 32 ] فالمفتي ينظر في لفظ النص فيجده من قبيل النهي المجرد، وقواعده الأصولية تقول بأن النهي المجرد يفيد التحريم، فتخرج الفتيا بأن الزنا حرام. [انظر: الفتوى: نشأتها وتطورها-أصولها وتطبيقاتها للدكتور حسين الملاح] .
9- من حيث سبب وضعها:
إن قواعد الأصول إنما وضعت لتضبط للمجتهد طرق الاستنباط واستدلاله وترسم للفقيه مناهج البحث والنظر في استخراج الأحكام الكلية من الأدلة الإجمالية، وأما قواعد الفقه فإنما تراد لتربط المسائل المختلفة الأبواب برباط متحد وحكم واحد هو الحكم الذي سيقت القاعدة لأجله.
أمثلة لبعض القواعد الأصولية والفقهية [جمعت هذه القواعد من كتاب الموسوعة الفقهية للشيخ محمد صدقي البورنو، وكتاب القواعد الفقهية لعلي أحمد الندوي]
قواعد أصولية:
إذا اجتمع حظر وإباحة غلب جانب الحظر
الأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها
الأصل أن لا فرض إلا بيقين
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم
الأمر يقتضي النهي عن جميع أضداده
الأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها
إعمال الدليل أولى من إهماله
إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز
لا ينسب إلى ساكت قول
المفسر يقضي على المجمل
الوسيلة إلى الحرام محرمة
كل ما أدى إثباته إلى نفيه فنفيه أولى
ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه
الكفار مخاطبون بفروع الشريعة
قواعد فقهية
إنما الأعمال بالنيات
المشقة تجلب التيسير
التصرف على الرعية منوط بالمصلحة
الصلح عن الحدود باطل
الصلح عن دين بدين لا يجوز
الضامن لا يقبل قوله إلا بحجة
العبادات البدنية لا تجري النيابة في أدائها
الشبهة كالحقيقة فيما يندرئ بالشبهات
السفيه إذا لم ينه مأمور
شرط صحة الصدقة التمليك
شهادة الإنسان على فعل نفسه باطلة
الإتلاف بعوض لا يوجب الضمان على المعتدي
الأحكام الموجبة على الحر مثلها على العبد
الأخذ بالاحتياط في الربا واجب
تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات
تطبيقات عملية
قاعدة أصولية: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
وهذه القاعدة لها عدة تطبيقات، فهي كقاعدة أصولية تعتبر حكماً كلياً ينطبق على جزئياته، وهي بذلك تنطبق على عدة حالات ولو اختلفت هذه الحالات «وذلك كغسل المرفقين فإنه لا يتم القيام بالواجب وهو غسل اليدين إلى المرفقين إلاّ بغسل جزء منهما لأنّ الغاية تدخل في المغيا، ويتوقف حصول هذا الواجب على حصول جزء من الغاية، ولذلك كان غسل جزء من المرفقين واجباً. ومثل ذلك إقامة كتلة سياسية لإقامة خليفة في حال عدم وجود خليفة أو لمحاسبة الحكام. فإن إقامة خليفة واجب ومحاسبة الحكام واجب والقيام بهذا الواجب لا يتأتى من أفراد لأنّ الفرد عاجز بمفرده عن القيام بهذا الواجب، أي عن إقامة خليفة أو محاسبة الحاكم، فكان لا بد من تكتل جماعة من المسلمين تكون قادرة على القيام بهذا الواجب، فصار واجباً على المسلمين أن يقيموا تكتلاً قادراً على إقامة خليفة أو محاسبة الحاكم. فإذا لم يقيموا تكتلاً كانوا آثمين لأنّهم لم يقوموا بما لا بد منه لأداء الواجب، وإذا أقاموا تكتلاً غير قادر إلى إقامة خليفة ولا على محاسبة الحاكم فانهم كذلك يظلون آثمين ولم يقوموا بالواجب لأنّ الواجب ليس إقامة تكتل فقط بل إقامة تكتل قادر على إقامة خليفة وعلى محاسبة الحاكم أي فيه القدرة على القيام بالواجب. وهكذا كل شيء لا يتم القيام بالواجب إلاّ به ولم يكن شرطاً فيه فهو واجب. وهذا إذا كان مقدوراً للمكلف. أما الذي هو غير مقدور للمكلف فإنه غير واجب» [الشخصية الإسلامية لتقي الدين النبهاني 3/36] ونجد في هذين المثالين كيف طبق الشيخ النبهاني هذه القاعدة على أمرين مختلفين، وهما غسل المرفق، والعمل لإقامة الخلافة، فالأول أمر يتعلق بالعبادة، والثاني يتعلق بعمل سياسي.
قاعدة فقهية: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة
وهي قاعدة فقهية في وجوب كون تصرفات الراعي لمصلحة من يقوم برعايتهم، أي أن «نفاذ تصرف الراعي على الرعية ولزومه عليهم شاؤوا أو أبوا معلق ومتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن تصرفه، دينية كانت أو دنيوية» [شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا ص 309] .
والمثال التطبيقي لهذه القاعدة هو أنه «لو عفى السلطان عن قاتل من لا ولي له لا يصح عفوه ولا يسقط القصاص، لأن الحق للعامة والإمام نائب عنهم فيما هو أنظر لهم، وليس من النظر إسقاط حقهم مجاناً وإنما له القصاص أو الصلح» [المصدر السابق] .
قاعدة أصولية: لا ينسب إلى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان
أي أنه لا يقال عمن سكت أنه قال كذا، فالشرع لم يجعل السكوت حكماً يبنى عليه كما يبنى على الألفاظ. والفقرة الثانية من القاعدة استثناء فمثلاً «إذا ما قبض المشتري السلعة بحضور البائع، وسكت البائع: يكون إذناً بالقبض، وكذا إذا سمع الشفيع بالبيع فلم يطلب الشفعة، وسكت يكون تسليماً للشفعة» [نفس المصدر] .
قاعدة فقهية: الميسور لا يسقط بالمعسور
قال الإمام عز الدين: «إن من كلف بشيء من الطاعات، فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه، لقوله سبحانه وتعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [سورة البقرة: من الآية 286] وقوله عليه السلام: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن أبي هريرة بلفظ: « دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» وأخرجه مسلم في الحج.] وبهذا قال أهل الظاهر» [قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام ص 192] .
«وفروعها كثيرة، منها: إذا كان مقطوع بعض الأطراف يجب غسل الباقي جزماً، ومنها: القادر على بعض السترة يستر به القدر الممكن جزماً، ومنها القادر على بعض الفاتحة يأتي به بلا خلاف، ومنها إذا لم يمكنه رفع اليدين في الصلاة إلا بالزيادة على القدر المشروع أو نقص أتى بالممكن» [المصدر السابق] .
خاتمة
فهذا البحث محاولة لذكر الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، وعرض لبعض التطبيقات العملية المتعلقة بهما، مما يظهر لنا أهمية هذه القواعد في استنباط الأحكام الشرعية، وبالتالي في كونها أسساً يبني عليها الفقهاء اجتهاداتهم، ويستعينون بها في فهم خطاب الشارع، وتطبيق أحكامه عملياً.
أسأل الله تعالى الثواب على حسن الأداء والمغفرة على التقصير.
والله تعالى أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل